Wednesday, August 13, 2014

عذاب القبر بين الحقيقة والخيال 3


يتبع

حتى اكون امينا لابد من عرض وجهة النظر المؤيدة مع الادلة التى يرونها تؤكد 

عذاب القبر والرد عليها


استشهاد العلماء المؤيدين لعذاب القبر باّيات من القراّن  

وأكد علماء الأزهر الشريف (وكثير من المسلمين وعلماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم) أن عذاب القبر حق ووجب الإيمان به

يقول الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء

ردًا على سؤال ورد لصفحته عن سؤال الإنسان فى قبره فى السُّنَّةِ المتواترة وفى عذاب القبر قال

1- فالروح تُرَدُّ فى الجسد بهيئة مخصوصة لسؤالها فى القبر وتنعيمها أو تعذيبها فيه

2- ويُرَدُّ للإنسان من الحواس والعقل والعلم ما يتوقف عليه فهم الخطاب

3- ويَتَأَتَّى معه رد الجواب حتى يسأل فيسأل الميت بعد تمام الدفن وعند انصراف الناس منكرٌ ونكيرٌ
4- وهما ملكان يسألانه ثلاث مرات ويسألان كل أحد بلغته وتابع

ويسألانه عن الشهادتين وعن توحيده الله وعن إيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلمويستثنى من السؤال الأنبياء فلا يسألون وكذلك شهداء الجهاد فى سبيل الله بأنفسهم وكذلك الأطفال لعدم تكليفهم ثم يُسَلَّطُ على المنافقين والكافرين عذابٌ فى القبر ويُضَيَّقُ عَلَيْهِ

ويُنَعَّمُ المؤمنون والصالحون فى قبورهم ويوسع عليهم إلى يوم القيامة

وأضاف وليس عسيرًا على الله جل جلاله أن يعكس الحياة مرة أخرى على ذرات الجسم سواء كانت مجتمعة فى قبر أم موزعة فى فلاة أم متفرقة فى بطن سبع فيعى بذلك السؤال والجواب

ويرى المَلَكَ الذى يسأله ويكلمه وليس مطمعًا فى أن تعلم كيفية ذلك تفصيلاً

فحقائق ما بعد الموت متعلقة بنظام آخر مختلف كل الاختلاف عما قبل الموت وأما عذاب القبر ونعيمه فقد أشارت إليه بعض الآيات

1- فقال تعالى ... وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (الانعام 93)

2- وقال تعالى فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (محمد 27)

3- وقال تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (غافر 46)

وتابع لما عطف فيها قوله ويوم تقوم الساعة على غدوًا وعشيًا علمنا يقينا أن النار التى يعرضون عليها غدوًا وعشيًا غير التى يعرضون عليها يوم القيامة ولا شك أنه واقع ما بين الموت والنشور

حديث

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِى كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا صحيح البخارى

حديث 

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ أن كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صحيح البخارى

وأهل السنة والجماعة وجمهور المسلمين قالوا

إن عذاب القبر ونعيمه يكون للروح والجسد معًا إذ هو من قبيل الممكن ولأن ظاهر النصوص الواردة تقتضى ذلك ولا حاجة إلى التأويل وكل ما جوزه العقل وورد به الشرع من أمور الغيب وجب الإيمان بثبوته بلا تأويل كعذاب القبر ونعيمه ورد الروح إلى الميت فى قبره والميزان والصراط، والحوض والشفاعة

وقال الدكتور مختار مرزوق عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر فرع أسيوط

إن دار الإفتاء أفتت بأنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينكر عذاب القبر ونعيمه

وخلاصة القول فى فتوى الإفتاء أن من المقرر عقيدة أن عذاب القبر ونعيمه حق

حديث

وأخرج البخارى عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عذاب القبر حق"
وهذا ثابت فى الإسلام بأدلة متكاثرة منها

وقوله تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (غافر 46)
أى أن العذاب السىء يحيق بآل فرعون وهو أنهم يعرضون على النار فى قبورهم صباحًا ومساءً قبل قيام الساعة وهى القيامة فإذا قامت القيامة قيل لملائكة العذاب ... أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (غافر 46) وهو عذاب النار الأليم

ومن أدلة ثبوت عذاب القبر فى القرآن الكريم قوله تعالى عن الفاسقين الكافرين 

4- قوله تعالى وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) 

وذكر المفسرون أن المراد بالعذاب الأدنى عذاب القبر

وتابع من أدلة القرآن على ذلك قوله تعالى 

5- قوله تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ  (طه 124) 
قال أبو سعيد الخدرى وعبد الله بن مسعود (ضنكا) عذاب القبر

وقال رسول الله صلى الله عليه السلام إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار رواه الترمذى
وحديث البخارى ومسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان فى كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله وأما الآخر فكان يمشى بين الناس بالنميمة

وعلى ما سبق فإن عذاب القبر ثابت بالقرآن والسنة والإجماع ولا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن ينكر عذاب القبر ونعيمه

وقال الدكتور عبد المنعم فؤاد أستاذ العقيدة و الفلسفة بجامعة الأزهر

أثبت بنصوص قطعية عذاب القبر ونعيمه فى قوله تعالى عن آل فرعون

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (غافر 46)

وقد فهم جمهور أهل العلم مقصد الآية الواضح

أن العرض هذا ليس يوم قيام الساعة كما تنطق الآية بل فى عالم البرزخ فى المقابر وهناك من الآيات الكثير بل فى السنة الصحيحة مرور النبى عليه الصلاة والسلام على قبر وفيه اثنان يعذبان إلى غير ذلك من الأحاديث

واستشهد بعض العلماء بقوله تعالى

6- قوله تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (ابراهيم 27)

تفسير ابن كثير

روى البخاري عن براء بن عازب رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه فذلك قوله يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ... (ابراهيم 27) ورواه مسلم أيضاً وبقية الجماعة

وقال الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهيا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت به الأرض فرفع رأسه فقال استعيذوا باللّه من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً ثم قال إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن  وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من اللّه ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة فيقول اللّه اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أُخرى قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك؟ فيقول ربي اللّه فيقولان له ما دينك؟ فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هو رسول اللّه فيقولان له وما علمك؟ فيقول قرأت كتاب اللّه فآمنت به وصدقت فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير؟ فيقول أنا عملك الصالح فيقول رب أقم الساعة رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي

قال وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل عليه ملائكة من السماء سود الوجه معهم المسوح فجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من اللّه وغضب قال فتفرق في جسده فينتزعه كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح فيخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فيقول اللّه اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحاً  ثم قرأ ... وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (الحج 31)

فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له من ربك؟ فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما دينك؟ فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هاه هاه لا أدري فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد فيقول ومن أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال إذا خرجت روح العبد المؤمن تلقاها ملكان يصعدان بها  قال حماد فذكر من طيب ريحها وذكر المسك قال ويقول أهل السماء روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى اللّه عليك وعلى جسد كنت تعمرينه فينطلق به إلى ربه عزَّ وجلَّ فيقول انطلقوا به إلى آخر الأجل وإن كان الكافر إذا خرجت روحه قال حماد وذكر من نتنها وذكر مقتاّ ويقول أهل السماء روح خبيثة جاءت من قبل الأرض فيقال انطلقوا به إلى آخر الأجل قال أبو هريرة فرد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ريطة كانت عليه على أنفه هكذا

حديث

وقال ابن حبان في صحيحيه عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال إن المؤمن إذا قبض أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون اخرجي إلى روح اللّه فتخرج كأطيب ريح مسك حتى أنه ليناوله بعضهم يشمونه حتى يأتوا به باب السماء فيقولون ما هذه الريح الطيبة التي جاءت من قبل الأرض؟ ولا يأتون سماء إلا قالوا مثل ذلك حتى يأتوا به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحاً به من أهل الغائب بغائبهم فيقولون ما فعل فلان فيقولون دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم فيقول قد مات أما أتاكم فيقولون ذهب إلى أمه الهاوية وأما الكافر فيأتيه ملائكة العذاب بمسح فيقولون اخرجي إلى غضب اللّه فتخرج كأنتن ريح جيفة فيذهب به إلى الأرض

وروى العوفي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في هذه الآية قال إن المؤمن إذا حضره الموت شهدته الملائكة فسلموا عليه وبشروه بالجنة فإذا مات مشوا مع جنازته ثم صلوا عليه مع الناس فإذا دفن أجلس في قبره فيقال له من ربك؟ فيقول ربي اللّه فيقال له من رسولك؟ فيقول محمد صلى اللّه عليه وسلم فيقال له ما شهادتك؟ فيقول أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمداً رسول اللّه فيوسع له في قبره مد بصره وأما الكافر فتنزل عليه الملائكة لقوله تعالى ... وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ ... (محمد 27) والبسط هو الضرب ... يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ  (محمد 27) عند الموت فإذا أدخل قبره أقعد، فقيل له من ربك؟ فلم يرجع إليهم شيئاً وأنساه اللّه ذكر ذلك وإذا قيل من الرسول الذي بعث إليك؟ لم يهتد له ولم يرجع إليهم شيئاً كذلك يضل اللّه الظالمين

وقال ابن أبي حاتم عن أبي قتادة الأنصاري في قوله تعالى  يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ... (ابراهيم 27) قال إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره فيقال له من ربك؟ فيقول اللّه فيقال له من نبيك؟ فيقول محمد بن عبد اللّه فيقال له ذلك مرات ثم يفتح له باب إلى النار فيقال له انظر إلى منزلك من النار لو زغت ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له انظر إلى منزلك من الجنة إذا ثبت وإذا مات الكافر أجلس في قبره فيقال له من ربك؟ من نبيك؟ فيقول لا أدري كنت أسمع الناس يقولون فيقال له لا دريت ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له انظر إلى منزلك إذا ثبت ثم يفتح له باب إلى النار فيقال له انظر إلى منزلك إذا زغت فذلك قوله تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ... (ابراهيم 27)

وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... (ابراهيم 27) قال لا إله إلا اللّه ... وَفِي الْآخِرَةِ ... (ابراهيم 27) المسألة في القبر

وقال قتادة أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح وفي الآخرة في القبر وكذا روي عن غير واحد من السلف

وعن عثمان رضي اللّه عنه قال كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل أخرجه أبو داود في سننه
تفسيرالجلالين

يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ... (ابراهيم 27) هي كلمة التوحيد في الحياة الدنيا وفي الآخرة أي في القبر لما يسألهم الملكان عن ربهم ودينهم ونبيهم فيجيبون بالصواب كما في حديث الشيخين ويضل الله الظالمين الكفار فلا يهتدون للجواب بالصواب بل يقولون لا ندري كما في الحديث ويفعل الله ما يشاء

تفسيرالفرطبي

قوله تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ... (ابراهيم 27) 

قال ابن عباس هو لا إله إلا الله 

وروى النسائي عن البراء قال قال يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ ... (ابراهيم 27) نزلت في عذاب القبر يقال من ربك؟ فيقول ربي الله وديني دين محمد، فذلك قوله تعالى  يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ ... (ابراهيم 27) قلت وقد جاء هكذا موقوفا في بعض طرق مسلم عن البراء أنه قول والصحيح فيه الرفع كما في صحيح مسلم وكتاب النسائي وأبي داود وابن ماجة وغيرهم عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم 

وذكر البخاري حدثنا جعفر بن عمر قال حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أقعد المؤمن في قبره أتاه آت ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ ... (ابراهيم 27) وقد بينا هذا الباب في كتاب التذكرة وبينا هناك من يفتن في قبره ويسأل فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك 

وقال سهل بن عمار رأيت يزيد بن هارون في المنام بعد موته فقلت له ما فعل الله بك؟ فقال أتاني في قبري ملكان فظان غليظان فقالا ما دينك ومن ربك ومن نبيك؟ فأخذت بلحيتي البيضاء وقلت ألمثلي يقال هذا وقد علّمت الناس جوابكما ثمانين سنة؟ فذهبا وقالا أكتبت عن حريز بن عثمان؟ قلت نعم فقالا إنه كان يبغض عليا فأبغضه الله

وقيل معنى  يُثَبِّتُ اللَّهُ ... (ابراهيم 27) يديمهم الله على القول الثابت 

ومنه قول عبدالله بن رواحة يُثَبِّتُ اللَّهُ ... (ابراهيم 27) ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصرا 
وقيل يثبتهم في الدارين جزاء لهم على القول الثابت

وقال القفال وجماعة في الحياة الدنيا أي في القبر لأن الموتى في الدنيا إلى أن يبعثوا  وفي الآخرة أي عند الحساب وحكاه الماوردي عن البراء قال المراد بالحياة الدنيا المساءلة في القبر وبالآخرة المساءلة في القيامة ويضل الله الظالمين أي عن حجتهم في قبورهم كما ضلوا في الدنيا بكفرهم فلا يلقنهم كلمة الحق فإذا سئلوا في قبورهم قالوا لا ندري فيقول لا دريت ولا تليت وعند ذلك يضرب بالمقامع على ما ثبت في الأخبار وقد ذكرنا ذلك في كتاب التذكرة وقيل  يمهلهم حتى يزدادوا ضلالا في الدنيا ويفعل الله ما يشاء من عذاب قوم وإضلال قوم 

وقيل إن سبب نزول هذه الآية ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصف مساءلة منكر ونكير وما يكون من جواب الميت قال عمر يا رسول الله معي عقلي؟ قال (نعم) قال كفيت إذا فأنزل الله عز وجل هذه الآية
الرابط 


7- قوله تعالى مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا  (نوح 25) 

قوله تعالى مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (نوح 25) وقوله تعالى مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا ... (نوح 25) ما صلة مؤكدة والمعنى من خطاياهم

وقال الفراء المعنى من أجل خطاياهم فأدت ما هذا المعنى  قال  و" ما " تدل على المجازاة وقراءة أبي عمرو " خطاياهم " على جمع التكسير الواحدة خطية وكان الأصل في الجمع خطائي على فعائل فلما اجتمعت الهمزتان قلبت الثانية ياء لأن قبلها كسرة ثم استثقلت والجمع ثقيل وهو معتل مع ذلك فقلبت الياء ألفا ثم قلبت الهمزة الأولى ياء لخفائها بين الألفين الباقون " خطيئاتهم " على جمع السلامة قال أبو عمرو قوم كفروا ألف سنة فلم يكن لهم إلا خطيات يريد أن الخطايا أكثر من الخطيات وقال قوم خطايا وخطيات واحد جمعان مستعملان في الكثرة والقلة واستدلوا بقوله تعالى ... مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ ... (لقمان 27) 

وقال الشاعر لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما وقرئ " خطيئاتهم " و " خطياتهم " بقلب الهمزة ياء وإدغامها وعن الجحدري وعمرو بن عبيد والأعمش وأبي حيوة وأشهب العقيلي " خطيئتهم " على التوحيد المراد الشرك ... فَأُدْخِلُوا نَارًا ... (نوح 25) أي بعد إغراقهم قال القشيري وهذا يدل على عذاب القبر ومنكروه يقولون صاروا مستحقين دخول النار أو عرض عليهم أماكنهم من النار كما قال تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ... (غافر 46) وقيل أشاروا إلى ما في الخبر من قوله البحر نار من نار

وروى أبو روق عن الضحاك في قوله تعالى ... أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا ... (نوح 25) قال يعني عذبوا بالنار في الدنيا مع الغرق في الدنيا في حالة واحدة كانوا يغرقون في جانب ويحترقون في الماء من جانب ذكره الثعلبي قال أنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال أنشدنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن رميح قال أنشدني أبو بكر بن الأنباري ... الخلق مجتمع طورا ومفترق والحادثات فنون ذات أطوار لا تعجبن لأضداد إن اجتمعت فالله يجمع بين الماء والنار فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا ... أي من يدفع عنهم العذاب

8- قوله تعالى ... وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (الحج 31)

فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط فيقول اللّه اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحاً  ثم قرأ ... وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (الحج 31) فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له من ربك؟ فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما دينك؟ فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول هاه هاه لا أدري فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد فيقول ومن أنت فوجهك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول أنا عملك الخبيث فيقول رب لا تقم الساعة

حقيقة الايات التى استشهد بها المؤيدين لعذاب القبر

1- التحليل الموضوعى

قوله تعالى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (الانعام 93) 

عطفت جملة ... وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ... (الانعام 93) على جملة  وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ... (الانعام 93) لأن هذه وعيد بعقاب لأولئك الظالمين المفترين على الله والقائلين أوحي إلينا والقائلين  ... سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ... (الانعام 93)

فالظالمون في قوله تعالى ... وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ... (الانعام 93)  يشمل أولئك ويشمل جميع الظالمين المشركين ولذلك فالتعريف في الظالمون تعريف الجنس المفيد للاستغراق 

والخطاب في ترى للرسول صلى الله عليه وسلم أو كل من تأتى منه الرؤية فلا يختص به مخاطب 

ثم الرؤية المفروضة يجوز أن يراد بها رؤية البصر إذا كان الحال المحكي من أحوال يوم القيامة وأن تكون علمية إذا كانت الحالة المحكية من أحوال النزع وقبض أرواحهم عند الموت 

ومفعول ترى محذوف دل عليه الظرف المضاف والتقدير ... وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ... (الانعام 93) أي وقتهم في غمرات الموت ويجوز جعل ( إذ ) اسما مجردا عن الظرفية فيكون هو المفعول كما في قوله تعالى  وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ ... (الانفال 26) فيكون التقدير ولو ترى زمن الظالمون في غمرات الموت ويتعين على هذا الاعتبار جعل الرؤية علمية لأن الزمن لا يرى 

والمقصود من هذا الشرط تهويل هذا الحال ولذلك حذف جواب (لَوْ) كما هو الشأن في مقام التهويل ونظائره كثيرة في القرآن والتقدير لرأيت أمرا عظيما

والغمرة بفتح الغين ما يغمر أي يغم من الماء فلا يترك للمغمور مخلصا وشاعت استعارتها للشدة تشبيها بالشدة الحاصلة للغريق حين يغمره الوادي أو السيل حتى صارت الغمرة حقيقية عرفية في الشدة الشديدة وجمع الغمرات يجوز أن يكون لتعدد الغمرات بعدد الظالمين فتكون صيغة الجمع مستعملة في حقيقتها ويجوز أن يكون لقصد المبالغة في تهويل ما يصيبهم بأنه أصناف من الشدائد هي لتعدد أشكالها وأحوالها لا يعبر عنها باسم مفرد 

فيجوز أن يكون هذا وعيدا بعذاب يلقونه في الدنيا في وقت النزع ولما كان للموت سكرات جعلت غمرة الموت غمرات

وفي للظرفية المجازية للدلالة على شدة ملابسة الغمرات لهم حتى كأنها ظرف يحويهم ويحيط بهم
فالموت على هذا الوجه مستعمل في معناه الحقيقي وغمراته هي آلام النزع

وتكون جملة ... أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ... (الانعام 93) حكاية قول الملائكة لهم عند قبض أرواحهم فيكون إطلاق الغمرات مجازا مفردا ويكون الموت حقيقة ، ومعنى بسط اليد تمثيلا للشدة في انتزاع أرواحهم ولا بسط ولا أيدي  والأنفس بمعنى الأرواح أي أخرجوا أرواحكم من أجسادكم أي هاتوا أرواحكم ، والأمر للإهانة والإرهاق إغلاظا في قبض أرواحهم ولا يتركون لهم راحة ولا يعاملونهم بلين وفيه إشارة إلى أنهم يجزعون فلا يلفظون أرواحهم وهو على هذا الوجه وعيد بالآلام عند النزع جزاء في الدنيا على شركهم ، وقد كان المشركون في شك من البعث فتوعدوا بما لا شك فيه وهو حال قبض الأرواح بأن الله يسلط عليهم ملائكة تقبض أرواحهم بشدة وعنف وتذيقهم عذابا في ذلك وذلك الوعيد يقع من نفوسهم موقعا عظيما لأنهم كانوا يخافون شدائد النزع وهو كقوله تعالى وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ... (الانفال 50) وقوله تعالى ... أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ... (الانعام 93) على هذا صادر من الملائكة 

ويجوز أن يكون هذا وعيدا بما يلاقيه المشركون من شدائد العذاب يوم القيامة لمناسبة قوله بعد وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ ... (الانعام 94) فغمرات الموت تمثيل لحالهم يوم الحشر في منازعة الشدائد وأهوال القيامة بحال منهم في غمرات الموت وشدائد النزع ، فالموت تمثيل وليس بحقيقة والمقصود من التمثيل تقريب الحالة وإلا فإن أهوالهم يومئذ أشد من غمرات الموت ولكن لا يوجد في المتعارف ما هو أقصى من هذا التمثيل دلالة على هول الألم وهذا كما يقال وجدت ألم الموت وقول أبي قتادة في وقعة حنين فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت وقول الحارث بن هشام المخزومي وشممت ريح الموت من تلقائهم في مأزق والخيل لم تتبدد

وجملة ... وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ... (الانعام 93) حال أي والملائكة مادون أيديهم إلى المشركين ليقبضوا عليهم ويدفعوهم إلى الحساب على الوجه الثاني أو ليقبضوا أرواحهم على الوجه الأول فيكون بسط الأيدي حقيقة بأن تتشكل الملائكة لهم في أشكال في صورة الآدميين ويجوز أن يكون بسط الأيدي كناية عن المس والإيلام كقوله تعالى  لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ... (المائدة 28)

وجملة ... أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ... (الانعام 93) مقول لقول محذوف وحذف القول في مثله شائع والقول على هذا من جانب الله تعالى والتقدير نقول لهم ... أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ... (الانعام 93) والأنفس بمعنى الذوات والأمر للتعجيز أي أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب إن استطعتم والإخراج مجاز في الإنقاذ والإنجاء لأن هذا الحال قبل دخولهم النار ويجوز إبقاء الإخراج على حقيقته إن كان هذا الحال واقعا في حين دخولهم النار

والتعريف في اليوم للعهد وهو يوم القيامة الذي فيه هذا القول وإطلاق اليوم عليه مشهور فإن حمل الغمرات على النزع عند الموت فاليوم مستعمل في الوقت أي وقت قبض أرواحهم 

وجملة ... الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ... (الانعام 93) إلخ استئناف وعيد فصلت للاستقلال والاهتمام وهي من قول الملائكة

و... تُجْزَوْنَ ... (الانعام 93) تعطون جزاء والجزاء هو عوض العمل وما يقابل به من أجر أو عقوبة قال تعالى جَزَاءً وِفَاقًا (النبأ 26) وفي المثل المرء مجزي بما صنع إن خيرا فخير وإن شرا فشر يقال جزاه يجزيه فهو جاز وهو يتعدى بنفسه إلى الشيء المعطى جزاء ويتعدى بالباء إلى الشيء المكافأ عنه كما في هذه الآية ولذلك كانت الباء في قوله تعالى وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ... (يونس 27) متأولا على معنى الإضافة البيانية أي جزاؤه سيئة وأن مجرور الباء هو السيئة المجزى عنها كما اختاره ابن جني وقال الأخفش الباء فيه زائدة لقوله تعالى وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ... (الشورى 40) ويقال جازى بصيغة المفاعلة قال الراغب ولم يجئ في القرآن جازى

والهون الهوان وهو الذل  وفسره الزجاج بالهوان الشديد وتبعه صاحب الكشاف ولم يقله غيرهما من علماء اللغة  وكلام أهل اللغة يقتضي أن الهون مرادف الهوان وقد قرأ ابن مسعود (اليوم تجزون عذاب الهوان)
وإضافة العذاب إلى الهون لإفادة ما تقتضيه الإضافة من معنى الاختصاص والملك أي العذاب المتمكن في الهون الملازم له 

والباء في قوله ... بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ ... (الانعام 93) باء العوض لتعدية فعل تجزون إلى المجزي عنه ويجوز جعل الباء للسببية أي تجزون عذاب الهون بسبب قولكم ويعلم أن الجزاء على ذلك و ما مصدرية ثم إن كان هذا القول صادرا من جانب الله تعالى فذكر اسم الجلالة من الإظهار في مقام الإضمار لقصد التهويل والأصل بما كنتم تقولون علي وضمن تقولون معنى تكذبون ، فعلق به قوله على الله  فعلم أن هذا القول كذب على الله كقوله تعالى وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (الحاقة 44) وبذلك يصح تنزيل فعل تقولون منزلة اللازم فلا يقدر له مفعول لأن المراد به أنهم يكذبون ويصح جعل غير الحق مفعولا لـتقولون وغير الحق هو الباطل ولا تكون نسبته إلى الله إلا كذبا

وشمل ... بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ ... (الانعام 93) الأقوال الثلاثة المتقدمة في قوله وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ ... (هود 18) إلى قوله ... مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ... (الانعام 93) وغيرها وغير الحق حال من ما الموصولة أو صفة لمفعول مطلق أو هو المفعول به لـتقولون

وقوله تعالى ... وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ ... (الانعام 93) عطف على ... كُنْتُمْ تَقُولُونَ ... (الانعام 93) أي وباستكباركم عن آياته والاستكبار الإعراض في قلة اكتراث فبهذا المعنى يتعدى إلى الآيات أو أريد من الآيات التأمل فيها فيكون الاستكبار على حقيقته أي تستكبرون عن التدبر في الآيات وترون أنفسكم أعظم من صاحب تلك الآيات 

وجواب ... وَلَوْ ... (الانعام 93) محذوف لقصد التهويل والمعنى لرأيت أمرا مفظعا وحذف جواب ( لو ) في مثل هذا المقام شائع في القرآن وتقدم عند قوله تعالى ... وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ... (البقرة 165) 

الرابط


من ما سبق يتضح لنا بان تلك الاية لاعلاقة لها بعذاب القبر هى الحالة المحكية من أحوال النزع وقبض أرواح

الظالمين عند الموت فهى قول الملائكة عند قبض أرواح الظالمين لقوله تعالى فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ أُولَٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ  (الاعراف 37)

2- التحليل الموضوعى

قوله تعالى فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (محمد 27)

الفاء يجوز أن تكون للتفريع على جملة إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ۙ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ (محمد 25) وما بينهما متصل بقوله تعالى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ (محمد 25) بناء على المحمل الأول للارتداد فيكون التفريع لبيان ما سيلحقهم من العذاب عند الموت وهو استهلال لما يتواصل من عذابهم عن مبدأ الموت إلى استقرارهم في العذاب الخالد

ويجوز على المحمل الثاني وهو أن المراد الارتداد عن القتال وتكون الفاء فصيحة فيفيد إذا كانوا فروا من القتال هلعا وخوفا فكيف إذا توفتهم الملائكة أي كيف هلعهم ووجلهم الذي ارتدوا بهما عن القتال وهذا يقتضي شيئين أولهما أنهم ميتون لا محالة وثانيهما أن موتتهم يصحبها تعذيب

فالأول مأخوذ بدلالة الالتزام وهو في معنى قوله تعالى الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ۗ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (ال عمران 168) وقوله تعالى فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (التوبة 81)

والثاني هو صريح الكلام وهو وعيد لتعذيب في الدنيا عند الموت

والمقصود وعيدهم بأنهم سيعجل لهم العذاب من أول منازل الآخرة وهو حالة الموت

ولما جعل هذا العذاب محققا وقوعه رتب عليه الاستفهام عن حالهم استفهاما مستعملا في معنى تعجيب المخاطب من حالهم عند الوفاة وهذا التعجيب مؤذن بأنها حالة فظيعة غير معتادة إذ لا يتعجب إلا من أمر غير معهود والسياق يدل على الفظاعة

و... إِذَا ... (محمد 27) متعلق بمحذوف دل عليه اسم الاستفهام تقديره فَكَيْفَ ... (محمد 27) حالهم أو عملهم حين تتوفاهم الملائكة 

وكثر حذف متعلق فَكَيْفَ ... (محمد 27) في أمثال هذا مقدرا مؤخرا عن فَكَيْفَ ... (محمد 27) وعن ... إِذَا ... (محمد 27) كقوله تعالى فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا (النساء 41) والتقدير كيف يصنعون ويحتالون

وجعل سيبويه كيف في مثله ظرفا وتبعه ابن الحاجب في الكافية ولعله أراد الفرار من الحذف

وقوله تعالى ... يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (محمد 27) حال من الملائكة والمقصود من هذه الحال وعيدهم بهذه الميتة الفظيعة التي قدرها الله لهم وجعل الملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم أي يضربون وجوههم التي وقوها من ضرب السيف حين فروا من الجهاد فإن الوجوه مما يقصد بالضرب بالسيوف عند القتال 

قال الحريش القريعي أو العباس بن مرداس نعرض للسيوف إذا التقينا وجوها لا تعرض للنظام

ويضربون أدبارهم التي كانت محل الضرب لو قاتلوا وهذا تعريض بأنهم لو قاتلوا لفروا فلا يقع الضرب إلا في أدبارهم 

الرابط


من ما سبق يتضح لنا بان تلك الاية لاعلاقة لها بعذاب القبر هى حال من الملائكة والمقصود من هذه الحال وعيدهم بهذه الميتة الفظيعة التي قدرها الله لهم وجعل الملائكة تضرب وجوههم وأدبارهم أي يضربون وجوههم التي وقوها من ضرب السيف حين فروا من الجهاد فإن الوجوه مما يقصد بالضرب بالسيوف عند القتال ولقوله تعالى وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ  (الانفال 50)

3- التحليل الموضوعى

قوله تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (غافر 46)

الشعراوي

القبر ليس فيه عذاب لأنه لا عذاب إلا بعد حساب والحساب يبقى في الآخرة إنما القبر بس شروة الحياة منعت من النفس وشاف نفسه مجندل في التراب فيعرض عليه عذابه في الآخرة ان كان صالحا يعرض عليه العذاب وان كان مؤمنا يعرض عليه الثواب يقوم طول ما هو شايف الحاجة الحلوة يكون في سرور وشايف الحاجة إلي بتنظره في الآخرة يبقى فيه عذاب يبقى عذاب القبر عرض لمنازل الآخرة ولذلك اقرأ قول الله سبحانه وتعالى في قوم فرعون النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (غافر 46)  طب يعرضون عليها الزمن بالنسبة للإنسان يبقى ايه حياته , مماته , بعثه هما في الحياة ما عرضوش على النار آل فرعون ما عرضوش على النار خلاص اذن لم يبقى سوى زمنين اثنين زمان الموت إلي هو البرزخ و زمان الآخرة اما زمان البرزخ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا ... (غافر 46) ولما زمان الآخرة ... وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (غافر 46) يبقى هنا عرض وهنا إدخال يبقى ادي الفرق بين الاثنين والإنسان ساعة يُعرض عليه يعني مثلا رئيس الجمهورية ولا الملك عزمنا وبعدين دخلنا لقينا ايه موائد جميله يبقى ديه اللي هناكله ونفضل مبسوطين لساعة ما نروح نأكل طيب واذا كان الواد دخل القسم في جريمة ولا بتاع وشاف الفلكه و الكرباج محطوط والسلسلة ولسا ما عملوش فيه حاجه يبقى معروضة عليه 
الرابط


واتفق مع كلام العلامة المستنير الشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى الا فى قولة وشاف نفسه مجندل في التراب فيعرض عليه عذابه في الآخرة ان كان صالحا يعرض عليه العذاب وان كان مؤمنا يعرض عليه الثواب
لان ذلك يتطلب اعادة الروح الى المقبور وقوله تعالى ... فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الزمر 42) دليلا على ان الروح لا ترجع الى الانسان بعد قبضها اذا كان اجلها قد حان لقوله تعالى ... فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ ... (الزمر 42) وقوله تعالى فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (الواقعة 86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (الواقعة 87) 

ان رجعت الروح الى الميت وهو فى القبر اليس ذلك عذاب ان يرى الانسان نفسة فى القبر؟ فانة اشد عذاب يمكن ان يراه انسانا فى الدنيا ان يدفن حيا فلا عذاب الا بعد حساب 

الا اذا كان عذاب القبر للمؤمنين والظالمين!!! تدبر قول الله تعالى أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (الملك 35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (الملك 36)

اما قوله تعالى الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (النحل 32) لاتعارض بينها وتفسير العالم المستنير الشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى فقوله تعالى  ... أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (غافر 46) هو قول الله سبحانه وتعالى ام فى قوله تعالى ... يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (النحل 32) هو قول الملائكة حين تتوفى الطيبين ولقوله تعالى ... وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (النساء 87) وقوله تعالى  تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (الجاثية 6)

تفسير القرطبي

قوله تعالى الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ ... (النحل 32) قرأ الأعمش وحمزة يتوفاهم الملائكة في الموضعين بالياء واختاره أبو عبيد لما روي عن ابن مسعود أنه قال إن قريشا زعموا أن الملائكة إناث فذكروهم أنتم الباقون بالتاء لأن المراد به الجماعة من الملائكة و... طَيِّبِينَ ۙ ... (النحل 32) فيه ستة أقوال الأول  ... طَيِّبِينَ ۙ ... (النحل 32) طاهرين من الشرك الثاني صالحين الثالث زاكية أفعالهم وأقوالهم الرابع طيبين الأنفس ثقة بما يلقونه من ثواب الله تعالى الخامس طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله السادس ... طَيِّبِينَ ۙ ... (النحل 32) أن تكون وفاتهم طيبة سهلة لا صعوبة فيها ولا ألم بخلاف ما تقبض به روح الكافر والمخلط والله أعلم

وقوله تعالى ... يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ... (النحل 32) يحتمل وجهين أحدهما أن يكون السلام إنذارا لهم بالوفاة الثاني أن يكون تبشيرا لهم بالجنة لأن السلام أمان وذكر ابن المبارك قال حدثني حيوة قال أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي قال إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه ملك الموت فقال السلام عليك وليّ الله الله يقرأ عليك السلام ثم نزع بهذه الآية الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ... (النحل 32) وقال ابن مسعود إذا جاء ملك الموت يقبض روح المؤمن قال ربك مقرئك السلام وقال مجاهد إن المؤمن ليبشر بصلاح ولده من بعده لتقر عينه وقد أتينا على هذا في كتاب التذكرة وذكرنا هناك الأخبار الواردة في هذا المعنى والحمد لله

وقوله تعالى ... ادْخُلُوا الْجَنَّةَ ... (النحل 32) يحتمل وجهين أحدهما أن يكون معناه أبشروا بدخول الجنة الثاني أن يقولوا ذلك لهم في الآخرة ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (النحل 32) يعني في الدنيا من الصالحات

4- التحليل الموضوعى

قوله تعالى وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) 

اختلف أهل التأويل في معنى العذاب الأدنى الذي وعد الله أن يذيقه هؤلاء الفسقة فقال بعضهم ذلك مصائب الدنيا في الأنفس والأموال

ذكر من قال ذلك حدثني علي قال ثنا أبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ ... (السجدة 21) يقول مصائب الدنيا وأسقامها وبلاؤها مما يبتلي الله بها العباد حتى يتوبوا

حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي قال ثني عمي قال ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21)  قال العذاب الأدنى بلاء الدنيا قيل هي المصائب
حدثنا ابن المثنى قال ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن عروة عن الحسن العرني عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ ... (السجدة 21) قال المصيبات في الدنيا قال والدخان قد مضى والبطشة واللزام

قال أبو موسى ترك يحيى بن سعيد يحيى بن الجزار نقصان رجل حدثنا محمد بن بشار قال ثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر قالا ثنا شعبة عن قتادة عن ابن عروة عن الحسن العرني عن يحيى بن الجزار عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب أنه قال في هذه الآية وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) قال مصيبات الدنيا واللزوم والبطشة أو الدخان شك شعبة في البطشة أو الدخان

حدثنا ابن المثنى قال ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن قتادة عن عروة عن الحسن العرني عن يحيى بن الجزار عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب بنحوه إلا أنه قال المصيبات واللزوم والبطشة

حدثنا ابن وكيع قال ثنا زيد بن حباب عن شعبة عن قتادة عن عروة عن الحسن العرني عن يحيى بن الجزار عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب قال المصيبات يصابون بها في الدنيا البطشة والدخان واللزوم
حدثنا ابن وكيع قال ثنا أبي عن أبي جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ ... (السجدة 21) قال المصائب في الدنيا

قال ثنا أبو خالد الأحمر عن جويبر عن الضحاك وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) قال المصيبات في دنياهم وأموالهم

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة حدثه عن الحسن قوله وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ ... (السجدة 21) أي مصيبات الدنيا

حدثنا ابن وكيع قال ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ ... (السجدة 21) قال أشياء يصابون بها في الدنيا

وقال آخرون عنى بها الحدود

ذكر من قال ذلك حدثنا ابن بشار قال ثنا أبو عاصم عن شبيب عن عكرمة عن ابن عباس وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) قال الحدود

وقال آخرون عنى بها القتل بالسيف  قال وقتلوا يوم بدر

ذكر من قال ذلك

حدثنا محمد بن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن السدي عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ ... (السجدة 21)  قال يوم بدر

حدثنا ابن وكيع قال ثنا أبي عن سفيان عن السدي عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله مثله

حدثنا ابن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا إسرائيل عن السدي عن مسروق عن عبد الله مثله

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ثنا هشيم قال أخبرنا عوف عمن حدثه عن الحسن بن علي أنه قال وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) قال القتل بالسيف صبرا

حدثنا ابن وكيع قال ثنا عبد الأعلى عن عوف عن عبد الله بن الحارث بن نوفل وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) قال القتل بالسيف كل شيء وعد الله هذه الأمة من العذاب الأدنى إنما هو السيف

حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال  ثنا عيسى وحدثني الحارث قال ثنا الحسن قال ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) قال القتل والجوع لقريش في الدنيا

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قال كان مجاهد يحدث عن أبي بن كعب أنه كان يقول وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) يوم بدر
وقال آخرون عنى بذلك سنون أصابتهم
ذكر من قال ذلك
حدثنا ابن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) قال سنون أصابتهم

حدثنا ابن وكيع قال ثنا أبي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم مثله

وقال آخرون عنى بذلك عذاب القبر

ذكر من قال ذلك

حدثني محمد بن عمارة قال ثنا عبيد الله قال أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) قال الأدنى في القبور وعذاب الدنيا

وقال آخرون ذلك عذاب الدنيا

ذكر من قال ذلك

حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ ... (السجدة 21) قال العذاب الأدنى عذاب الدنيا

وأولى الأقوال في ذلك أن يقال إن الله وعد هؤلاء الفسقة المكذبين بوعيده في الدنيا العذاب الأدنى أن يذيقهموه دون العذاب الأكبر والعذاب هو ما كان في الدنيا من بلاء أصابهم إما شدة من مجاعة أو قتل أو مصائب يصابون بها فكل ذلك من العذاب الأدنى ولم يخصص الله - تعالى ذكره - إذ وعدهم ذلك أن يعذبهم بنوع من ذلك دون نوع وقد عذبهم بكل ذلك في الدنيا بالقتل والجوع والشدائد والمصائب في الأموال فأوفى لهم بما وعدهم

وقوله ... الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) يقول قيل العذاب الأكبر وذلك عذاب يوم القيامة

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك

حدثنا ابن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا سفيان عن السدي عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله ... دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ... (السجدة 21)  قال يوم القيامة

حدثنا ابن بشار قال ثنا عبد الرحمن قال ثنا إسرائيل عن السدي عن مسروق عن عبد الله مثله

حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى وحدثني الحارث قال ثنا الحسن قال ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ... دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ... (السجدة 21) يوم القيامة في الآخرة

حدثني محمد بن عمارة قال ثنا عبيد الله قال أخبرنا إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد ... دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ... (السجدة 21) يوم القيامة

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة ... دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ... (السجدة 21) يوم القيامة حدث به قتادة عن الحسن

حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله ... دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ ... (السجدة 21) قال العذاب الأكبر عذاب الآخرة

وقوله ... لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) يقول كي يرجعوا ويتوبوا بتعذيبهم العذاب الأدنى

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل  ذكر من قال ذلك

حدثنا ابن وكيع قال ثنا أبي عن سفيان عن السدي عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله ... لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) قال يتوبون

حدثنا ابن وكيع قال ثنا أبي عن أبي جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية ... لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) قال يتوبون

حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة ... لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة 21) أي يتوبون

الرابط


من ما سبق يتضح لنا بان تلك الاية لاعلاقة لها بعذاب القبر 

ثم كيف لاصحاب القبور ان ... يَرْجِعُونَ ... (السجدة 21) (يتوبون) ولقول الله تعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (الانعام 158) كذلك قوله تعالى فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ  (الزمر 26)

5- التحليل الموضوعى

قوله تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (طه 124) 

الاية توضح نفسها ... مَعِيشَةً ضَنْكًا ... (طه 124) وليس ممات فالموتى لا يتعيشون لقوله تعالى وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (الحجر 19) ذلك دليل بان المعيشة للاحياء وليس للاموات لقوله تعالى وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ... وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (الحجر 19) وهى مقتضيات الحياة ارض تسكن عليها وطعام تأكله كذلك قوله تعالى وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (الحجر 20) تدل على ان المعايش للاحياء لان الرزق لايكون الا للاحياء

6- التحليل الموضوعى

قوله تعالى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (ابراهيم 27)

الشعراوي

وتأتي هنا كلمة " التثبيت " طبيعية بعد قوله تعالى  ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (إبراهيم 26) لأن الذي يُجتثُّ لا ثبوتَ له ولا استقرارَ فجاء بالمقابل بقوله يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ... (إبراهيم 27) وتُوحي كلمة التثبيت أيضاً بأن الإنسان ابنٌ للأغيار وتطرأ عليه الأحداث التي هي نتيجة لاختيار المُكلَّفين في نفاذ حُكْم أو بطاله فالمُكلَّف حين يأمره الله بحكم قد يُنفِّذه وقد لا ينفذه وكذلك قد يتعرض المكلّف لمخالف لمنهج الله فلا يُنفِّذ هذا المخالفُ تعاليم المنهج ويؤذي مَنْ يتبع التعاليم وهنا يثق المؤمن أن له إلهاً لن يخذله في مواجهة تلك الظروف وسينصره إنْ قريبٌ أو بعيد على ذلك وهكذا لا تنال الأحداث من المؤمن ويصدق قوله الحق يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ... (إبراهيم 27) فهم قد آمنوا بوجوده وبقدرته وبأن له طلاقة مشيئة يُثبِّتهم بها مهما كانت جسامة الأحداث ذلك أن المؤمن يعلم عن يقين أن الحق سبحانه قد قال وصدق  أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ (الرعد 28) وما دام لمؤمن قد ثبت قلبه بالإيمان وبالقول الثابت فهو لا يتعرّض لزيغ القلب ولا يتزعزع عن الحق والتثبيت يختلف في أعراف الناس باختلاف المُثبّت فحين يُخلْخَل عمود في جدار البيت فصاحب البيت يأتي بالمهندس الذي يقوم بعمل دعائمَ لتثبيت هذا العمود ويتبادل الناسُ الإعجابَ بقدرات هذا المهندس ويتحاكى الناس بقدرات هذا المهندس على التثبيت للأعمدة التي كادتْ أنْ تنهار وهذا ما يحدث في عُرْف البشر فما بَالُنا بما يمكن أنْ يفعله خالق البشر؟ وقوله الحق يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ... (إبراهيم 27) يرُّدك إلى المُثبِّت الذي لَنْ يطرأ على تثبيته أدنى خَلَل وكلمة " التثبيت " دَلَّتْنَا على أن الإنسان ابنُ أغيارٍوقد تحدثُ له أشياء غَيْر مطابقة لما يريده في الحياة لذلك فالمؤمن يجب ألاّ يَخُور لأن له رباً لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وسبحانه يُثبِّت الذين آمنوا  بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا... (إبراهيم 27) والقول الثابت لأنه من الحَقِّ الذي لا يتغيَّر وهذا القَوْلِ مُوجَّه للمؤمنين الذين يواجههم قَوْم أشرار اختاروا أنْ يكونوا على غير منهج الله وهذا القول يوضح للمؤمنين ضرورة أن يهدأوا وأنْ يجعلوا أنفسهم في معيّة الله دائماً وأنْ يعلموا أنّ الظالمَ لو عَلِم ما أعدَّه الله للمظلوم من ثواب وحُسْن جزاء لَضَنَّ الظالم بظُلْمه على المظلوم ولَقَال ولماذا أجعل الله في جانبه؟ والذين اضْطهِدوافي دينهم وقام الكفار بتعذيبهم لم يُفْتَنوا في الدين فكلما قَسا عليهم الكفار ضَرْباً وتعذيباً كلما تذكروا حنانَ الحقِّ فتحمّلوا ما يذيقهم الكافرون من عذاب

وحُسْن الجزاء قد يكون في الدنيا التي يُثبَّت فيها المؤمن بمشيئة الله وهي بنت الأغيار وبنت الأسباب فأنت في الدنيا تحوز على أيِّ شيء بأن تتعبَ من أجل أنْ تحصلَ عليه وتكِدّ لتتعلم وتعثر على وظيفة أو مهنة ثم تتزوج لِتُكوِّن أُسْرة وتخدُم غيرك ويخدُمك غيرك وتزاول كل أسبابك بغيرك فأنت تأكل مما تطبخ زوجتك أو أمك أو مَنْ تستخدمه ليؤدي لك هذا العمل باختصار كلما ارتقيتَ فأنت ترتقي بأثر مجهود ما وكُلّ متعة تحصل عليها إنما هي نتيجة لمجهود جَادٍّ منك وأنت تحاول دائماً أن تُقلِّل المجهود والأسباب لتزيد من متعتك فَما بالُكَ بالآخرة التي لا تكليفَ ولا أسبابَ فيها وكل ما فيها قد جهَّزه الحق تعالى مقدّماً للإنسان ثواباً إنْ آمنَ وعذاباً إنْ كفر وعصى وإنْ كنتَ مؤمناً فالحق سبحانه يُجازيك بجنة عَرْضها السماوات والأرض فيها كُلُّ ما تشتهي الأنفس وإذا كان الحق سبحانه يُثبِّت الذين آمنوا في الدنيا بالقول الثابت الحق فتثبيتُه لهم في الآخرة هو حياةٌ بدون أسباب ونجده سبحانه لم يَقُلْ هنا الحياة الآخرة بل قال ... فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ ... (إبراهيم 27) ذلك أن الارتقاءات الطُّموحية في الحياة تكون مناسبة للمجهود المبذول فيها ولكن الأمرَ في الآخرة يختلف تماماً لأن الحق سبحانه هو الذي يُجازي على قَدْر طلاقة مشيئته وهو يُثبِّتهم بداية من سؤال القبر ونهايةَ إلى أن يَلْقوا الثواب على حُسْن ما فعلوا من خير في سبيل الله وما دام الحق سبحانه قد ذكر هنا التثبيتَ في الحياة الدنيا والآخرة فلا بُدَّ أن يأتي بالمقابل ويقول ... وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ (إبراهيم 27) وسبحانه يُضلّ الظالم لأنه اختار أنْ يظلم وهو سبحانه قد جعل للإنسان حَقَّ الاختيار فَمنَ اختار أن يظلمَ لا بُدّ له من عقاب وإذا كان سبحانه قد خلق الخَلْقَ وجعل الكون مُسخراً لهم وأعطى المؤمن والكافر من عطاء الربوبية فإن اختار الكافرُ كفره فهو لن يُنفِّذ تكاليف الألوهية التي أنزلها الله منهجاً لهداية الناس والكافر إنما يظلم نفسه ذلك أنه ما دام قد أنِسَ إلى الكفر فالحق سبحانه يختم على قلبه فلا يخرج من القلب الكفر ولا يدخل إليه الإيمان وهو رَبُّ العالمين يفعل ما يشاء وإذا كان الحق سبحانه يعطي كل إنسان ما يريد وما دام الكافر يطلب أن يكون كافراً فسبحانه يمدُّ له في أسباب الكفر ليأخذه من بعد ذلك بها كما يمدُّ الله للمؤمنين كُلَّ أسباب الإيمان مِصْداقاً لقوله الحق كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (الإسراء 20) وهكذا تكون طلاقة قدرة الحق سبحانه وهو يفعل ما يشاء ذلك أنه لا يوجد إله غيره والحق سبحانه قد أكرمنا بالعبودية له وحده ذلك أننا رأينا جميعاً وشاهدنا أثر عبودية الإنسان للإنسان حين يأخذ السيد خَيْر العبد وقد ذاقتْ البشرية الكثير من وَيْلاتها ولكن العبودية لله تختلف تماماً حيث يأخذ العبد خَيْر السيد؛ ويُغدِق السيد إحسانه على عباده ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ (ابراهيم 28)

الرابط 


واتفق مع كلام العلامة المستنير الشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى الا فى قولة وهو يُثبِّتهم بداية من سؤال القبر

لان ذلك يتطلب اعادة الروح الى المقبور وقوله تعالى ... فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الزمر 42) دليلا على ان الروح لا ترجع الى الانسان بعد قبضها اذا كان اجلة قد حان كذلك نفهم ولقوله تعالى ... فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ ... (الزمر 42) وقوله تعالى فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (الواقعة 86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (الواقعة 87) 

ان رجعت الروح الى الميت وهو فى القبر اليس ذلك عذاب ان يرى الانسان نفسة فى القبر؟ فانة اشد عذاب يمكن ان يراه انسانا فى الدنيا ان يدفن حيا فلا عذاب الا بعد حساب الا اذا كان عذاب القبر للمؤمنين والظالمين؟؟ تدبر قول الله تعالى أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (الملك 35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (الملك 36)

7- التحليل الموضوعى

قوله تعالى مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا  (نوح 25) 
تأتي الفاء بمعنى ثم نحو قوله تعالى ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (المؤمنون 14) فالفاءات في فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً وفي فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً وفي فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً بمعنى ثمّ لتراخي معطوفاتها نفس المعنى اذا قلت  ونحو قوله تعالى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (الأعلى 4) فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى (الأعلى 5) فإخراج المرعى هو إنبات العشب واخضراره والفاء هنا بمعنى ثم وليست للتعقيب لأن تحويل العشب الأخضر إلى هشيم أسود يابس يحتاج إلى وقت كذلك قوله تعالى وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً ۚ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ  (الانفال  35) 

ففى قوله تعالى مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا ... (نوح 25) الفاء بمعنى ثمّ لتراخى معطوفتها فارتكابهم الخطايا تم قبل اغراقهم ولفترة من الزمن فلم يغرقو بعد عمل خطيئة واحدة بل مارسو الخطيئة على مر سنين الى ان اغرقوا التراخى فى الزمن لتحقيق ممارسة الخطيئة ثم اغرقوا ... فَأُدْخِلُوا نَارًا ... (نوح 25) تأتى بمعنى ثم فالمعنى كأنة قال مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا ثمّ أُدْخِلُوا نَارًا

ومع دلالة ال
فاء على السببية والجوابية فهي تدل كذلك على الترتيب والتعقيب ولا تعمل فاء السببية إلا بشرطين هما 

 أن يسبقها نفي ومعناه سلب الحكم عن شيء بأداة معينة ومنه

أـ النفي الصريح نحو قولك لا تكن يابسا فتكسر ولا رطبا فتعصر

ب- النفي المؤول نحو قولك قلما تلقاني فتكرمني

 أن يكون قبلها طلب محض والمقصود بالطلب المحض هنا ما يتحقق بثمانية أنواع ويكتفي وجود نوع واحد منها قبل الفاء 

فتكون سببية وهي  النهي و الاستفهام و الدعاء و التمنّي و التّرجّي و العرض و التحضيض

وفى قوله تعالى مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا ... (نوح 25) ينتفى الشرطين فلا يوجد نفى صريح او مأمول او هنالك طلب محض فتأكيدا بان الفاء ليست بفاء السببية

وفى قوله تعالى مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا ... (نوح 25) ينتفى التعقيب والمراد بالتعقيب أن يكون المعطوف بها لاحقا متصلا بلا مهلة وذلك لان تحقيق المعنى في المعطوف متأخرا عن زمن تحقيق المعنى في المعطوف عليه ونحو قولنا نفعنا بذر القمح للزراعة فإنباته فنضجه فحصاده أي ومن البذر سابق على الإنبات والنضج ما بعده ومنه قول ابن مالك والمراد بالترتيب المعنوي أن يكون في زمن تحقق المعنى في المعطوف متأخرا عن زمن تحقق المعنى في المعطوف عليه وقد يحتمل فترة زمنية ومهلة في زمن تحقق المعنى بين المعطوف عليه

ومن التعقيب ما يسمى بالتعقيب العرفي وهو ما تم التعارف عليه سواء في العقل أوالعادة،أي معروفا عادة وواقعا وعقلا بحصول كذا وكذا نحو قوله تعالى فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً (مريم 27) فالفاء في قوله فَأَتَتْ ... (مريم 27) دلت على أن مريم عليها السلام جاءت أهلها عقب الانتهاء من الكلام مع ابنها عيسى عليه السلام فعلى هذا يكون التعقيب المستفاد من الفاء تعقيبا عرفيا أي أنه من المتعارف عليه أن الولادة تكون بعد الحمل 

من ما سبق يتضح لنا بان الفاء فى قوله تعالى مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا ... (نوح 25هى فاء الترتيب المعنوى او التعقيب العرفى وتكون الفاء بمعنى (ثم) كأنة قال (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا  ثُمَّ أُدْخِلُوا نَارًا)

8- التحليل الموضوعى

قوله تعالى حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (الحج 31)

تفسير البغوي

حُنَفَاءَ لِلَّهِ ... (الحج 31) مخلصين له ... غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ... (الحج 31) قال قتادة  كانوا في الشرك يحجون  ويحرمون البنات والأمهات والأخوات  وكانوا يسمون حنفاء  فنزلت حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ ... (الحج 31) أي حجاجا لله مسلمين موحدين  يعني من أشرك لا يكون حنيفاوقوله تعالى   ... وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ ... (الحج 31) أي سقط من السماء إلى الأرض ... فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ ... (الحج 31) أي تستلبه الطير وتذهب به والخطف والاختطاف تناول الشيء بسرعة وقرأ أهل المدينة فتخطفه بفتح الخاء وتشديد الطاء أي يتخطفه  ... أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ... (الحج 31) ي  تميل وتذهب به ... فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ... (الحج 31) أي بعيد معناه بعد من أشرك من الحق كبعد من سقط من السماء فذهبت به الطير أو هوت به الريح فلا يصل إليه بحال
وقيل شبه حال المشرك بحال الهاوي من السماء في أنه لا يملك لنفسه حيلة حتى يقع بحيث تسقطه الريح فهو هالك لا محالة إما باستلاب الطير لحمه وإما بسقوطه إلى المكان السحيق وقال الحسن شبه أعمال الكفار بهذه الحال في أنها تذهب وتبطل فلا يقدرون على شيء منها

الرابط


تفسير الطبري

 القول في تأويل قوله تعالى حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (الحج 31)

يقول تعالى ذكره اجتنبوا أيها الناس عبادة الأوثان وقول الشرك مستقيمين لله على إخلاص التوحيد له وإفراد الطاعة والعبادة له خالصا دون الأوثان والأصنام غير مشركين به شيئا من دونه فإنه من يشرك بالله شيئا من دونه فمثله في بعده من الهدى وإصابة الحق وهلاكه وذهابه عن ربه مثل من خر من السماء فتخطفه الطير فهلك أو هوت به الريح في مكان سحيق يعني من بعيد من قولهم أبعده الله وأسحقه وفيه لغتان أسحقته الريح وسحقته ومنه قيل للنخلة الطويلة نخلة سحوق ومنه قول الشاعر كانت لنا جارة فأزعجها قاذورة تسحق النوى قدما

ويروى تسحق يقول فهكذا مثل المشرك بالله في بعده من ربه ومن إصابة الحق كبعد هذا الواقع من السماء إلى الأرض أو كهلاك من اختطفته الطير منهم في الهواء وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل
ذكر من قال ذلك حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة قال هذا مثل ضربه الله لمن أشرك بالله في بعده من الهدى وهلاكه لقوله تعالى ... فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (الحج 31)

حدثنا الحسن قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة مثله

حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى وحدثني الحارث قال ثنا الحسن قال ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله ... فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (الحج 31) قال بعيد حدثنا القاسم قال ثنا الحسين قال ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد مثله

وقيل ... فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ ... (الحج 31) وقد قيل قبله ... فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ ... (الحج 31) وخر فعل ماض  وتخطفه مستقبل  فعطف بالمستقبل على الماضي كما فعل ذلك في قوله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ  ... (الحج 25)

الرابط


من ما سبق يتضح لنا بان تلك الاية لاعلاقة لها بعذاب القبر 


حقيقة عذاب القبر

قوله تعالى

وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ 

كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (لقمان 27) مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ 

إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (لقمان 28)

قوله تعالى وَمَنْ أَظْلَمُ  مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ  قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ  يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۗ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (الانعام 93)

من ما سبق يفهم ان ... وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ... (الانعام 93) حال الملائكة مادون أيديهم إلى المشركين ليقبضوا عليهم ويدفعوهم إلى الحساب على الوجه الثاني أو ليقبضوا أرواحهم على الوجه الأول ، فيكون بسط الأيدي حقيقة بأن تتشكل الملائكة لهم في أشكال في صورة الآدميين ويجوز أن يكون بسط الأيدي كناية عن المس والإيلام كقوله تعالى  لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ... (المائدة 28) 

وعندما يقبض الملائكة الموكل لهم بقبض الارواح لقوله تعالى وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (الانعام 61) وقوله تعالى قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (السجدة 11) وقوله تعالى فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (الواقعة 83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (الواقعة 84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَٰكِنْ لَا تُبْصِرُونَ  (الواقعة 85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (الواقعة 86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (الواقعة 87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (الواقعة 88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ  (الواقعة 89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (الواقعة 90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (الواقعة 91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (الواقعة 92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (الواقعة 93)  وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (الواقعة 94) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (الواقعة 95)  فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيم (الواقعة 96) 

ان كان اصاحبها من الظالمين تنزع اروحهم بشدة وايلام للإهانة والإرهاق إغلاظا في قبض أرواحهم ولا يتركون لهم راحة ولا يعاملونهم بلين وفيه إشارة إلى أنهم يجزعون فلا يلفظون أرواحهم وهو على هذا الوجه وعيد بالآلام عند النزع جزاء في الدنيا على شركهم  وقد كان المشركون في شك من البعث فتوعدوا بما لا شك فيه وهو حال قبض الأرواح بأن الله يسلط عليهم ملائكة تقبض أرواحهم بشدة وعنف وقول الملائكة لقوله تعالى ... وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (الانعام 93) عند قبض أرواح الظالمين وليس فى القبر

وبعد خروج الروح لا يعود الى الجسد الى يوم القيامة لقوله تعالى فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى (الزمر 42) وقوله تعالى مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (لقمان 28) ويذهب الجسد الى القبر او الى الحرق لبعض المعتقدات او الى ما هو ذاهب الية ويصبح لاحول لة ولا قوة جسدا بلا روح لايعى او يحس او يتألم ثم يتحلل ويتفسخ ثم يصبح ترابا ... فكيف العذاب؟ وقوله تعالى أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (الشعراء 204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (الشعراء 205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (الشعراء 206)

اما الروح فمن مات فقد دَخَل البرزخ الى يوم البعث لقوله تعالى ... وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (المؤمنون 100) 

وفى البرزخ الظالمين يعرضون على جهنم غُدُوًّا وَعَشِيًّا لقوله تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ... (غافر 46) استنادًا إلى أن النوم هو موتة صغرى وفيه يرى الإنسان النائم ما ينعم فيه وما يؤلمه فيفزع من النوم لقولة تعالى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الزمر 42) 

والمتقين يعرضون على النعيم لقوله تعالى فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (الواقعة 88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (الواقعة 89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (الواقعة 90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (الواقعة 91) 
اما الاعراف فيعرضون على النعيم والنار راجين رحمة الله والله غفور رحيم لقوله تعالى وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (الاعراف 46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (الاعراف 47) وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (الاعراف 48) أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (الاعراف 49) وقوله تعالى  وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة 106)

**********************

قال تعالى

وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (الجاثية 7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا 

كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (الجاثية 8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا 

اتَّخَذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (الجاثية 9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ۖ وَلَا 

يُغْنِيعَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ 

 عَظِيمٌ (الجاثية 10)

خاطر

استفتى قلبك هذا لايعنى بانك على حق وتكون عليك اذا قبلت 


فهى تعنى اعمال عقلك بالقراءة والاستفسار والفهم والتيقن قدر المستطاع وقدر المستطاع تعنى انك لن تصل الى الكمال لحدود علمك فيكون حافزا لك للبحث والفهم والتيقن ولقوله تعالى ... نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (يوسف 76)

No comments:

Post a Comment